الحكومة تحل مشكلات مصر بالمسكنات وتعالج البطالة الظاهرة بمزيد من البطالة المقنّعة، أخبار طوابير التعيينات والتثبيتات الجديدة فى المصالح الحكومية المترهلة لإضافة طابور موظفين ينضم إلى قائمة حاجزى كراسى النوم ومكاتب الأنتخة وصفحات الكلمات المتقاطعة لن تحل مشكلة مصر، مثلها مثل زيادة عدد «الهايبر ماركتات» التى تغزو مصر والتى هى أقصى تفكير اقتصادى من رجال سياسة يغلبون تجارة الربح السريع على صناعة الربح طويل الأجل، لن تكون العصا السحرية لعلاج آلام الوطن، مثلها مثل طبع أوراق النقود فى ظل عراء وخواء اقتصادى، زيادة العبء على كاهل الجهاز الحكومى وتضخم قبيلة موظفى المكاتب هو بمثابة منح السرطان منشطات لا مثبطات!

واحدة من وسائل الطب الحديث لعلاج السرطان هى قطع الإمدادات الشريانية عنه حتى يضمر، فالورم السرطانى يتطفل على شرايين جيرانه ويمتص الدورة الدموية لصالحه ويأمر الخلية بأن تعمل لصالحه وتحت إمرته، أما حكومتنا السنية الرشيدة فهى تعالج الورم السرطانى بمنحه مزيداً من الشرايين وضخ المزيد من الدم حتى ينمو الورم ويترعرع ويستفحل، فلكى تجامل الشارع تقوم بتعيين المزيد والمزيد فى هيئات ومصالح ومؤسسات متخمة أصلاً بجيش عرمرم من الموظفين الذين بلا عمل والذين من الممكن، وبمنتهى البساطة، وضع جهاز كمبيوتر واحد يقوم بوظيفتهم، يزداد الورم فى ظهر الجهاز الحكومى الكسيح فينحنى أكثر وأكثر حتى تلامس أنفه الأرض ويلحس التراب.

بدلاً من البحث عن جذور مشكلة البطالة، وبدلاً من مصارحتنا بالحقائق، وبدلاً من دراسة سوق العمل وما يضخه حقل التعليم فيه من فخفخينا غير متجانسة لا يحتاجها هذا السوق نجد أنيميا هنا وبدانة مفرطة هناك، تعليماً يلقى بمئات الآلاف كل عام فى طاحونة البطالة، وخداع النفس بما نطلق عليه مهنة وهو فى الحقيقة مهانة، طاحونة تطحن بتروسها وضروسها أحلام شباب يشيخون فى شرخ الصبا. بدلاً من كل هذا تسعى حكومتنا الرشيدة لتجنيد شباب أكثر وأكثر فى كتيبة الخداع الوظيفى والضحك عليهم ببعض لقيمات المخدر الشرعى الحكومى وترامادول أهل السياسة الذى يتفوق على كل مخدرات الباطنية!

عندما يقودك حظك التعس لدخول مصلحة حكومية ستجد التعريف الغائب للبؤس! موظف ناقم أو نائم، موظفة حانقة أو خانقة! مكاتب مكدس عليها جثث تتكلم، رائحة عرق تبخ فى المكان غثياناً، ثرثرة ورشوة وكوسة نريد أن نضم إليها ثرثارين ومرتشين وغيطان كوسة ممتدة! كيف نطمح إلى تقدم مصر بهذا الأسلوب وبهذه المنظومة، الفاتورة سيدفعها أبناؤنا بما فيها فاتورة القروض وتعيينات البطالة المقنّعة ووظائف الوهم الفنكوشى، نحن لا نرى أبعد من أنوفنا، نعالج مشاكلنا بمسكن وقتى ونضع فى نفس الوقت السم للأحفاد.

الورم يا سادة لا يعالج بمزيد من التورم.